الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم (نسخة منقحة)
أو: باستبكاء الصحب على الطلل كقوله: أو: بالاستفهام عن الجواب لمخاطب غير معين كقوله:ألم تسأل فتخبرك الرسوم.ومثل تحية الطلول بالأمر لمخاطب غير معين بتحيتها كقوله:حي الديار بجانب العزل.أو: بالدعاء لها بالسقيا كقوله: أو: سؤال السقيا لها من البرق كقوله: أو: مثل التفجع في الجزع باستدعاء البكاء كقوله: أو: باستعظام الحادث كقوله:أرأيت من حملوا على الأعواد.أو: بالتسجيل على الأكوان بالمصيبة لفقده كقوله: أو: بالإنكار على من لم يتفجع له من الجمادات كقول الخارجية: أو: بتهئنة قريعة بالراحة من ثقل وطأته كقوله: وأمثال ذلك كثير في سائر فنون الكلام ومذاهبه وتنتظم التراكيب فيه بالجمل وغير الجمل إنشائية وخبرية اسمية وفعلية متفقة وغير متفقة مفصولة وموصولة على ما هو شأن التراكيب في الكلام العربي في مكان كل كلمة من الأخرى يعرفك به ما تستفيده بالارتياض في أشعار العرب من القالب الكلي المجرد في الذهن من التراكيب المعينة التي ينطبق ذلك القالب على جميعها فإن مؤلف الكلام هو كالبناء أو النساج والصورة الذهنية المنطبقة كالقالب الذي يبني فيه أو المنوال الذي ينسج عليه فإن خرج عن القالب في بنائه أو على المنوال في نسجه كان فاسدا.ولا تقولن: إن معرفة قوانين البلاغة كافية في ذلك لأنا نقول: قوانين البلاغة إنما هي: قواعد علمية قياسية تفيد جواز استعمال التراكيب على هيئاتها الخاصة بالقياس وهو قياس علمي صحيح مطرد كما هو قياس القوانين الإعرابية.وهذه الأساليب التي نحن نقررها ليست من القياس في شيء إنما هي هيئة ترسخ في النفس من تتبع التراكيب في شعر العرب لجريانها على اللسان حتى تستحكم صورتها فيستفيد بها العمل على مثالها والاحتذاء بها في كل تركيب من الشعر- كما قدمنا ذلك في الكلام بإطلاق- وإن القوانين العلمية من العربية والبيان لا يفيد تعليمه بوجه وليس كل ما يصح في قياس كلام العرب وقوانينه العلمية استعملوه وإنما المستعمل عندهم من ذلك أنحاء معروفة يطلع عليها الحافظون لكلامهم تندرج صورتها تحت تلك القوانين القياسية فإذا نظر في شعر العرب على هذا النحو وبهذه الأساليب الذهنية التي تصير كالقوالب كان نظرا في المستعمل من تراكيبهم لا فيما يقتضيه القياس.ولهذا قلنا: إن المحصل لهذه القوالب في الذهن إنما هو حفظ أشعار العرب وكلامهم وهذه القوالب كما تكون في المنظوم تكون في المنثور فإن العرب استعملوا كلامهم في كلا الفنين وجاؤوا به مفصلا في النوعين ففي الشعر: بالقطع الموزونة والقوافي المقيدة واستقلال الكلام في كل قطعة وفي المنثور: يعتبرون الموازنة والتشابه بين القطع غالبا وقد يقيدونه بالأسجاع وقد يرسلونه وكل واحد من هذه معروفة في لسان العرب والمستعمل منها عندهم هو الذي يبني مؤلف الكلام عليه تأليفه ولا يعرفه إلا من حفظ كلامهم حتى يتجرد في ذهنه من القوالب المعينة الشخصية قالب كلي مطلق يحذو حذوه في التأليف كما يحذو البناء على القالب والنساج على المنوال.فلهذا كان فن تأليف الكلام منفردا عن نظر النحوي والبياني والعروضي نعم إن مراعاة قوانين هذه العلوم شرط فيه لا يتم بدونها فإذا تحصلت هذه الصفات كلها في الكلام اختص بنوع من النظر لطيف في هذه القوالب التي يسمونها: أساليب ولا يفيده إلا حفظ كلام العرب نظما ونثرا.وإذا تقرر معنى الأسلوب ما هو؟ فلنذكر بعده حدا أو رسما للشعر به تفهم حقيقته على صعوبة هذا الغرض فإنا لم نقف عليه لأحد من المتقدمين- فيما رأيناه-.وقول العروضيين في حده: إنه الكلام الموزون المقفى ليس بحد لهذا الشعر الذي نحن بصدده ولا رسم له وصناعتهم إنما تنظر في الشعر باعتبار ما فيه من الإعراب والبلاغة والوزن والقوالب الخاصة فلا جرم أن حدهم ذلك لا يصلح له عندنا فلا بد من تعريف يعطينا حقيقته من هذه الحيثية فنقول:الشعر: هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده الجاري على أساليب العرب المخصوصة به فقولنا: الكلام البليغ جنس وقولنا: المبني على الاستعارة والأوصاف فصل عما يخلو من هذه فإنه في الغالب ليس بشعر وقولنا: المفصل بأجزاء متفقة الوزن والروي فصل له عن الكلام المنثور الذي ليس بشعر عند الكل وقولنا: مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده بيان للحقيقة لأن الشعر لا تكون أبياته إلا كذلك ولم يفصل به شيء وقولنا: الجاري على الأساليب المخصوصة به فصل له عما لم يجر منه على أساليب العرب المعروفة فإنه حينئذ لا يكون شعرا إنما هو كلام منظوم لأن الشعر له أساليب تخصه لا تكون للمنثور وكذا أساليب المنثور لا تكون للشعر فما كان من الكلام منظوما وليس على تلك الأساليب فلا يكون شعرا.وبهذا الاعتبار كان الكثير من أهل هذه الصناعة الأدبية يرون أن نظم المتنبي والمعري ليس هو من الشعر في شيء لأنهما لم يجريا على أساليب العرب من الأمم عند من يرى أن الشعر يوجد للعرب وغيرهم ومن يرى أنه لا يوجد لغيرهم فلا يحتاج إلى ذلك ويقول: مكانه الجاري على الأساليب المخصوصة.وإذ قد فرغنا من الكلام على حقيقة الشعر فلنرجع إلى الكلام في كيفية عمله فنقول:اعلم: أن لعمل الشعر وإحكام صناعته شروطا:أولها: الحفظ من جنسه أي من جنس شعر العرب حتى تنشأ في النفس ملكة ينسج على منوالها ويتخير المحفوظ من الحر النقي الكثير الأساليب وهذا المحفوظ المختار أقل ما يكفي فيه شعر شاعر من الفحول الإسلاميين مثل: ابن أبي ربيعة وكثير وذي الرمة وجرير وأبي نواس وحبيب والبحتري والرضي وأبي فراس وأكثره شعر كتاب الأغاني لأنه جمع شعر أهل الطبقة الإسلامية كله والمختار من شعر الجاهلية.ومن كان خاليا من المحفوظ فنظمه قاصر رديء ولا يعطيه الرونق والحلاوة إلا كثرة المحفوظ فمن قل حفظه أو عدم لم يكن له شعر وإنما هو نظم ساقط واجتناب الشعر أولى ممن لم يكن له محفوظ ثم بعد الامتلاء من الحفظ وشحذ القريحة للنسج على المنوال يقبل على النظم وبالإكثار منه تستحكم ملكته وترسخ.وربما يقال: إن من شرطه نسيان ذلك المحفوظ لتمحي رسومه الحرفية الظاهرة إذ هي صادة عن استعمالها بعينها فإذا نسيها وقد تكيفت النفس بها انتقش الأسلوب فيها كأنه منوال يأخذ بالنسج عليه بأمثالها من كلمات أخرى ضرورة ثم لا بد له من الخلوة واستجادة المكان المنظور فيه من المياه والأزهار وكذا المسموع لاستثارة القريحة باستجماعها وتنشيطها بملاذ السرور ثم مع هذا كله فشرطه أن يكون على جمام ونشاط فذلك أجمع له وأنشط للقريحة أن تأتي بمثل ذلك المنوال الذي في حفظه.قالوا: وخير الأوقات لذلك أوقات البكر عند الهبوب من النوم وفراغ المعدة ونشاط الفكر وفي هؤلاء الجمام.وربما قالوا: إن من بواعثه العشق والانتشاء ذكر ذلك ابن رشيق في كتاب العمدة وهو الكتاب الذي انفرد بهذه الصناعة وإعطاء حقها ولم يكتب فيها أحد قبله ولا بعده مثله.قالوا: فإن استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه إلى وقت آخر ولا يكره نفسه عليه وليكن بناء البيت على القافية من أول صوغه ونسجه بعضها ويبني الكلام عليها إلى آخره لأنه إن غفل عن بناء البيت على القافية صعب عليه وضعها في محلها فربما تجيء نافرة قلقة وإذا سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه إلى موضعه الأليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه ولم تبق إلا المناسبة فليتخير فيها كما يشاء وليراجع شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح والنقد ولا يضن به على الترك إذا لم يبلغ الإجادة فإن الإنسان مفتون بشعره إذ هو بنات فكره واختراع قريحته ولا يستعمل فيه من الكلام إلا الأفصح من التراكيب والخالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فإنها تنزل بالكلام عن طبقة البلاغة وقد حظر أئمة اللسان عن المولد وارتكاب الضرورة إذ هو في سعة منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلى من الملكة ويجتنب أيضا المعقد من التراكيب جهده وإنما يقصد منها ما كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم وكذلك كثرة المعاني في البيت الواحد فإن فيه نوع تعقيد على الفهم وإنما المختار منه ما كانت ألفاظه طبقا على معانيه أو أوفى فإن كانت المعاني كثيرة كان حشوا واستعمل الذهن بالغوص عليها فمنع الذوق عن استيفاء مدركه من البلاغة.ولا يكون الشعر سهلا إلا إذا كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الذهن ولهذا كان شيوخنا- رحمهم الله- يعيبون شعر أبي إسحاق بن خفاجة شاعر شرق الأندلس لكثرة معانيه وازدحامها في البيت الواحد كما كانوا يعيبون شعر المتنبي والمعري بعدم النسج على الأساليب العربية- كما مر- فكان شعرهما كلاما منظوما نازلا عن طبقة الشعر والحاكم بذلك هو الذوق.وليجتنب الشاعر أيضا الحوشي من الألفاظ والمقعر وكذلك السوقي المبتذل بالتداول بالاستعمال فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة أيضا فيصير مبتذلا ويقرب من عدم الإفادة ويبعد عن رتبة البلاغة إذ هما طرفان.ولهذا كان الشعر في الربانيات والنبويات قليل الإجادة في الغالب ولا يحذق فيه إلا الفحول وفي القليل على العشر لأن معانيها متداولة بين الجمهور فتصير مبتذلة لذلك.وإذا تعذر الشعر بعد هذا كله فليراوضه ويعاوده فإن القريحة مثل الضرع يدر بالامتراء ويجف بالترك والإهمال.وبالجملة: فهذه الصناعة وتعلمها مستوفى في كتاب العمدة لابن رشيق وقد ذكرنا منها ما حضرنا بحسب الجهد ومن أراد استيفاء ذلك فعليه بذلك الكتاب ففيه البغية من ذلك وهذه نبذة كافية- والله المعين-.
فقال لي على البديهة: هذا شعر فقيه فقلت له: من أين لك ذلك؟ قال: من قوله: ما الفرق إذ هي من عبارات الفقهاء وليست من أساليب كلام العرب فقلت له: لله أبوك إنه ابن النحوي.وأما الكتاب والشعراء: فليسوا كذلك لتخيرهم في محفوظهم ومخالطتهم كلام العرب وأساليبهم في الترسل وانتقائهم له الجيد من الكلام.ذاكرت يوما صاحبنا: أبا عبد الله بن الخطيب وزير الملوك بالأندلس من بني الأحمر وكان الصدر المقدم في الشعر والكتابة فقلت له: أجد استصعابا علي في نظم الشعر متى رمته مع بصري به وحفظي للجيد من الكلام من: القرآن والحديث وفنون من كلام العرب- وإن كان محفوظي قليلا- وإنما أتيت- والله أعلم- من قبل ما حصل في حفظي من الأشعار العلمية والقوانين التأليفية فإني حفظت قصيدتي: الشاطبي الكبرى والصغرى في القراءات وتدارست كتابي ابن الحاجب: في الفقه والأصول وجمل الخونجي في المنطق وبعض كتاب التسهيل وكثيرا من قوانين التعليم في المجالس فامتلأ محفوظي من ذلك وخدش وجه الملكة التي استعددت لها بالمحفوظ الجيد من القرآن والحديث وكلام العرب فعاق القريحة عن بلوغها فنظر إلي ساعة معجبا ثم قال: لله أنت وهل يقول هذا إلا مثلك؟ويظهر لك من هذا المطلب وما تقرر فيه سر آخر وهو: إعطاء السبب في أن كلام الإسلاميين من العرب أعلى طبقة في البلاغة وأذواقها من كلام الجاهلية في منثورهم ومنظومهم.فإنا نجد شعر حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيب وغيلان ذي الرمة والأحوص وبشار ثم كلام السلف من العرب في الدولة الأموية وصدرا من الدولة العباسية في: خطبهم وترسيلهم ومحاوراتهم للملوك أرفع طبقة في البلاغة من شعر النابغة وعنترة وابن كلثوم وزهير وعلقمة بن عبدة وطرفة بن العبد ومن كلام الجاهلية في منثورهم ومحاوراتهم والطبع السليم والذوق الصحيح شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلاغة.والسبب في ذلك: أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثليهما لكونها ولجت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية ممن لم يسمع هذه الطبقة ولا نشأ عليها فكان كلامهم في نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة وأصفى رونقا من أولئك وأرصف مبنى وأعدل تثقيفا بما استفادوه من الكلام العالي الطبقة وتأمل ذلك يشهد لك به ذوقك إن كنت من أهل الذوق والتبصر بالبلاغة.ولقد سألت يوما شيخنا الشريف: أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا- وكان شيخ هذه الصناعة أخذ بسبتة عن جماعة من مشيختها من تلاميذ الشلوبين واستبحر في علم اللسان وجاء من وراء الغاية فيه- فسألته يوما: ما بال العرب الإسلاميين أعلى طبقة في البلاغة من الجاهليين؟- ولم يكن يستنكر ذلك بذوقه- فسكت طويلا ثم قال لي: والله ما أدري فقلت: أعرض عليك شيئا ظهر لي في ذلك ولعله السبب فيه وذكرت له هذا الذي كتبت فسكت معجبا ثم قال لي: يا فقيه هذا كلام من حقه أن يكتب بالذهب وكان من بعدها يؤثر محلي ويصيخ في مجالس التعليم إلى قولي ويشهد لي بالنباهة في العلوم- والله خلق الإنسان وعلمه البيان-.
خرق ابن بقي موشحته وتبعه الباقون.وذكر العلم البطليوسي أنه سمع ابن زهر يقول: ما حسدت قط وشاحا على قول إلا ابن بقي حين وقع له: وكان في عصرهما من الموشحين المطبوعين: أبو بكر الأبيض.وكان في عصرهما أيضا الحكيم: أبو بكر بن باجة صاحب التلاحين المعروفة واشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين: محمد بن أبي الفضل بن شرف وأبو إسحاق الدويني.قال ابن سعيد: وسابق الحلبة التي أدركت هؤلاء: أبو بكر بن زهر وقد شرقت موشحاته وغربت واشتهر بعده: ابن حبون واشتهر معهما يومئذ بغرناطة: المهر بن الغرس وبعد هذا: ابن حزمون بمرسية وأبو الحسن: سهل بن مالك بغرناطة واشتهر بإشبيلية أبو الحسن بن الفضل واشتهر بين أهل العدوة: ابن خلف الجزائري ومن محاسن الموشحات للمتأخرين: موشحة ابن سهل شاعر إشبيلية وسبتة من بعدها.وأما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموشحات ومن أحسن ما وقع لهم في ذلك: موشحة ابن سناء الملك المصري اشتهرت شرقا وغربا.ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعرابا واستحدثوه فنا سموه: بالزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة.وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية: أبو بكر بن قزمان وإن كانت قيلت قبله بالأندلس لكن لم يظهر حلاها ولا انسبكت معانيها واشتهرت رشاقتها إلا في زمانه وكان لعهد الملثمين وهو إمام الزجالين على الإطلاق.قال ابن سعيد: ورأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب.قال: وسمعت أبا الحسن بن جحدر الإشبيلي- إمام الزجالين في عصرنا- يقول: ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان- شيخ الصناعة-.وكان ابن قزمان- مع أنه قرطبي الدار- كثيرا ما يتردد إلى إشبيلية ويبيت بنهرها وكان في عصرهم بشرق الأندلس: محلف الأسود وله محاسن من الزجل.وجاءت بعدهم حلبة كان سابقها: مدغيس وقعت له العجائب في هذه الطريقة.وظهر بعد هؤلاء بإشبيلية: ابن جحدر الذي فضل على الزجالين في فتح ميورقة بالزجل.قال ابن سعيد: لقيته ولقيت تلميذه: المعمع صاحب الزجل المشهور.ثم جاء من بعدهم: أبو الحسن: سهل بن مالك- إمام الأدب- ثم من بعدهم لهذه العصور صاحبنا الوزير: أبو عبد الله بن الخطيب- إمام النظم والنثر في الملة الإسلامية من غير مدافع- وكان لعصره بالأندلس: محمد بن عبد العظيم- من أهل وادي آش- وكان إماما في هذه الطريقة.وهذه الطريقة الزجلية لهذا العهد هي فن العامة بالأندلس من الشعر وفيها نظمهم حتى إنهم لينظمون بها في سائر البحور الخمسة عشر لكن بلغتهم العامية ويسمونه: الشعر الزجلي وكان من المجيدين لهذه الطريقة: الأديب: أبو عبد الله الألوسي.ثم استحدث أهل الأمصار بالمغرب فنا آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة كالموشح نظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضا وسموه: عروض البلد وكان أول من استحدثه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف: بابن عمير فنظم قطعة على طريقة الموشح ولم يخرج فيها عن مذاهب الإعراب فاستحسنه أهل فاس وولعوا به ونظموا على طريقته وتركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم وكثر سماعه بينهم واستفحل فيه كثير منهم ونوعوه أصنافا إلى: المزدوج والكاري والملعبة والغزل واختلفت أسماؤها باختلاف ازدواجها وملاحظاتهم فيها وكان منهم: الشيخ: علي بن المؤذن سلمان وبزرهون- من ضواحي مكناسة- رجل يعرف: بالكفيف أبدع في مذاهب هذا الفن وأتى فيه بكل غريبة من الإبداع. وأما أهل تونس فاستحدثوا في الملعبة أيضا على لغتهم الحضرية إلا أن أكثره رديء.وكان لعامة بغداد أيضا فن من الشعر يسمونه: المواليا وتحته فنون كثيرة يسمون منها: القوما وكان وكان ومنه: مفرد ومنه في بيتين ويسمونه: دوبيت على الاختلافات المعتبرة عندهم في كل واحد منها وغالبها مزدوجة من أربعة أغصان وتبعهم في ذلك أهل مصر القاهرة وأتوا فيها بالغرائب وتبحروا فيها في أساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضرية فجاءوا بالعجائب.واعلم: أن الأذواق في معرفة البلاغة كلها إنما تحصل لمن خالط تلك اللغة وكثر استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها حتى يحصل ملكتها- كما قلناه في اللغة العربية- فلا الأندلسي بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب ولا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمشرق ولا المشرق بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمغرب لأن اللسان الحضري وتراكيبه مختلفة فيهم وكل واحد منهم مدرك لبلاغة لغته وذائق محاسن الشعر من أهل جلدته – {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}.
|